يها المسلمون: ويوصي الله بالحلم والرفق ومجاهدة النفس عليهما وبين آثارهما، ويقول تعالى:
ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم
وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم
[فصلت :24-25].
قال ابن كثير رحمه الله: أى وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك، فإنه يشق على النفوس .. ويقول جل ذكره:
ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور
[الشورى:43].
ويعلق الإمام الطبري على الآية بقوله: ولمن صبر على إساءة من أساء إليه، وغفر للمسيء إليه جرمه، فلم ينتصر منه، وهو على الانتصار منه قادر ابتغاء وجه الله عز وجل وثوابه، إن ذلك لمن عزم الأمور، ندب الله إليها عباده، وعزم عليهم العمل به.
إخوة الإسلام: ونتيجة جهل الإنسان وضعفه، فقد يبدو له أحياناً أن أسلوب الشدة هو أقصر الطرق للوصول إلى هدفه، وأن ممارسة العنف قد تعجل له حصول النتائج التى يرنو إليها .. وليس الأمر كذلك فما يحصل بالحلم والرفق والأناة خير في الآخرة والأولى، كذلك يهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم أمته ويقـول:((إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه(4))). بل يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم أن الرفق والأناة سبب لكل خير، ويقول: ((إن الرفق لا يكون في شئ إلا زانه، ولا ينزع من شئ إلا شانه)).
ويحذر عليه الصلاة والسلام من فقد الرفق بفقد الخير كلـه وهـو القائـل: ((من يحرم الرفق يحرم الخير(1))). ومن ثم قيل:(الرفق في الأمور كالمسك في العطور(2)). وقديماً قيل: الحلم سيد الأخلاق.
وما فتئ العارفون يتمثلون الحلم في حياتهم، والأناة في تصرفاتهم، ويهدون بها غيرهم، وقد ورد أن رجلاً سبّ ابن عباس رضى الله عنهما، فلما فـرغ قـال: يا عكرمـة هل للرجل حاجة فنقضيها؟ فنكس الرجل رأسه واستحى(3).
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله تعالى:
فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم
. هو الرجل يشتمه أخوه فيقول: إن كنت كاذباً فغفر الله لك، وإن كنت صادقاً فغفر الله لى(4).
قال علي رضي الله عنه: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك ويعم حلمك، وأن لا تباهي الناس بعبادة الله، وإذا أحسنت حمدت الله تعالى، وإذا أسأت استغفرت الله تعالى(1).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق